الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010




د.عبدالعزيز القاسم اعلامي و كاتب


تعلل مرافقنا الجميل الحاج سلطان ببعد المسافة إلى مدينة النجاشي، وعدم توفر حجوزات طيران في تلك الفترة، فأجبته بأنه لا يجوز لي أن آتي الحبشة ولا أزور الملك الصالح النجاشي أصحمة، والذي صلى عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب عند موته، وهو الذي ضاف المهاجرين الأوائل. وأصررت ولو على الذهاب وحدي إلى تلك المدينة القابعة في الشمال من بلاد الحبشة.
وفعلا بعد معاناة ولأي ، استطعنا الظفر بتذكرتين، إلى مدينة مقلي ومن عجب أن الطائرة ( ذات المروحتين من طراز فوكر 50 ) كانت خلوا من المقاعد ونحن الذين تعبنا في الحصول على تذاكر، ما جعلني أتذكر العزيزة (خطوطنا السعودية ) وأتمتم بأن هذا حال كل طيران العالم الثالث.
وبعد طيران ساعة ونصف، عبر أجواز نغالب فيها السحب الدكناء، وهدير المروحتين في أذني تزيد من رجفان القلب، وتفيض علينا هلعا فوق هلع وصلنا مدينة ( مقلي ) ، ووجدتها ذات تخطيط جيد، وهندسة شوارعها أفضل من غيرها من المدن الأثيوبية الأخرى التي تذكرك بمدننا في الثمانينيات الهجرية.
كانت هذه المدينة ذات تحضر ومدنية نوعا ما ، وعندما سألت بعض سكان تلك البلدة عن سبب ذلك ، أجابوني بأن معظم المسئولين في تلك البلاد من أهل تلك المدينة فضلا على أنها قريبا من اريتريا، ما يعني ان ثقافة اهلها على مستوى أعلى من غيرها.
من الأشياء التي استرعت انتباهي، لهجة أهل هذه المدينة، استمتعت واستمتعت بلغتهم، فقد كانت أقرب كثيرا لأذني العربية، لاكتشف أنها لهجة (تجرينية) ، والحبشة بما يقول لي مرافقي تحوي على أكثر من 80 لغة كل لهجة تختلف تماما عن مثيلاتها.































الإسلام والحبشة


وخشية أن نفقد الوقت، آثرت - بعد هذه الرحلة المرعبة على مثلي – عدم الراحة والبدء فورا بالرحلة إلى قرية النجاشي التي بها قبره، فاستأجرنا حافلة للذهاب إلى هناك. وبالمناسبة فإن لقب النجاشي خاص بملوك الحبشة، بمثل ما هو لقب كسرى خاص بملوك الفرس ولقب قيصر خاص بملوك الروم.
وفي أثناء الطريق إلى القرية، جال بخاطري كيفية دخول الإسلام إلى هذه الربوع، وعندما عدت لكتاب (الإسلام والحبشة عبر التاريخ) للمهندس المصري فتحي غيث، والذي كان سميري في طوال الرحلة، ألفيت أن ثمة صلات قوية بين ضفتي البحر الأحمر، الأحباش من الغرب وسكان الجزيرة العربية من الشرق، وثمة هجرات وخصوصا من اليمن تجاه الحبشة، ويحكي التاريخ أن إمبراطور الدولة الرومانية استنجد بملك الحبشة كي يحمي مسيحي اليمن على يد أبي نواس اليهودي، وكيف تم ذلك على يد القائد ارياط، ثم انقلب عليه أبرهة ليأخذ القيادة منه.حتى جاء الفرس وأجلوا الأحباش عن اليمن.
يحكي ابن هشام في سيرته أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى ما أصاب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانة من الله ومن عمه أبو طالب وأنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فان بها ملكا لا يظلم عنده احد ، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه. فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفرارا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام.
ويذكر المؤرخون بأن ذلك في العام 615 للميلاد السنة الخامسة بعد النبوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق