الأحد، 4 يوليو 2010

القران اتخذ اسم مصحف عن اللغة الحبشية

اكد الباحث المصري استاذ اللغات الشرقية في جامعة القاهرة مجدي عبد الرازق في مؤتمر التواصل التراثي الذي ينظمه مركز المخطوطات في مكتبة الاسكندرية ان تسمية القرآن ب"المصحف" أتت من اللغة الحبشية، وهي تعني الكتاب.

واستند عبد الرازق الى الامام جلال الدين السيوطي (القرن السادس عشر) قائلا ان "العرب عندما قرروا ان يسموا القرآن، قال بعضهم سموه انجيلا فكرهوه، فقال بعضهم سموه سفرا فكرهوه (...) فقال ابن مسعود رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف، فسموه به".

واضاف "الصحف عند العرب قبل كتابة المصحف لم تكن سوى ما يكتب فيه ويشبه الورق في زمننا الحالي، من اكتاف (العظام العريضة) وعسب (من جريد النخل) وكانت تعني ايضا الرسالة".

وأوضح ان "الاشتقاق في اللغة الحبشية اكثر وضوحا وبيانا حيث نجده في فعل وفاعل ومفعول به، وهو الاقرب لمفهوم المصحف (...) فيكون اشتقاق اسم القرآن +المصحف+ جاء من الحبشية".

واشار الباحث الى ان هناك الكثير من المفردات الحبشية دخلت لغة القرآن واشار الى اصولها، الى جانب اجراء مقارنات مع شبيهات لها في العربية وصولا الى البرهنة على ان اصلها يعود الى اللغة الحبشية القديمة.

ومن بين هذه الكلمات "الحواريون" وهم تلامذة السيد المسيح، وهي تأتي هنا بمعنى تبعه، وسار وراءه، والتحق به. واثبت الباحث بعد مقارنات مع مفردات عربية مثل "حور" التي تعني الرجوع ولا تعني التبعية والسير على خلفية، "ان الكلمة أقرب للكلمة الحبشية +حواريون+ بالمعنى المسيحي للكلمة اي اتباع المسيح وتلامذته، وهي هنا بمعنى أتباع ومشاة على نفس الرؤية والمنهج".

وبحسب الباحث فان كلمة "فطر" الحبشية التي تشير الى معنى الخلق هي الكلمة التي أخذها القرآن عن الاحباش، وليست كلمة "فطر" العربية التي تعني الشق والانشقاق، مثل فطر الشيء أي شقه، وتفطرت الارض بالنبتات اي انشقت عنها، وهي كلمة لم تعرفها اللهجة القرشية ولم يعرفها (عبد الله) ابن عباس وهو من كبار العارفين باللغة.

واوضح عبد الرازق ان "هناك كلمات وردت في الاحاديث النبوية مأخوذة عن الحبشية مثل الحديث النبوي +ولا تناجشوا ولاتدابروا+. فالتناجش تعني في البيع ان يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها ولكن ليسمعه غيره فيزيد على زبائنه".

ورأى ان "هذه الكلمة تم أخذها عن الحبشية فهي تعني المزايدة على الحكم وان كلمة النجاشي ايضا هي اسم ملك الحبشة".

مدخل إلى الوشائج اللغوية بين الحبشية والعربية بقلم الاستاذ (عبد المنعم عجب الفيا )

مدخل إلى الوشائج اللغوية بين الحبشية والعربية بقلم الاستاذ (عبد المنعم عجب الفيا )

سألت محدثي الأثيوبي ، إذا أردت أن أسأل شخص عن اسمه ، فماذا أقول باللغة الأمهرية ؟
فأجاب : سمك مانو ؟
قلت له : لا أنا أقصد باللغة الأمهرية لا العربية ا
فرد على الفور : نعم بالأمهرية :
-- سمك مانو ؟ = Simk mannu

فلما رأى علامات الدهشة على وجهي ، قال لماذا ؟ قلت له لا شئ. نحن أيضا نقول في اللغة العربية ، اسمك منو ؟ااا


لقد كان هذا السؤال دافعا قويا لي لمعرفة المزيد عن اللغات الحبشية
وعلاقتها باللغة العربية . كنت أظن قبل ذلك أن الأمر لا يعدو أن يكون
كلمات حبشية قليلة قيل وردت في القرآن مثل : صحف ومنها جاءت كلمة مصحف
ومثل مشكاة وكلفين وبرهان وحوارى ونفاق . ثم عرفت بعد ذلك من خلال
مطالعاتي في فقه اللغة إن هنالك فرعا في اللغات يسمى مجموعة اللغات
السامية وهي العربية والحبشية والعبرية والآرمية والسيريانية ,والأشورية
البابلية وأن هذه اللغات ذات أصل واحد هو اللغة السامية نسبة إلى سام بن
نوح . ولكنى لم أكن أتصور أن العلاقة بين اللغة العربية والحبشية إلى هذه
الدرجة من القرب . إن الذي لا يعرف حقيقة الأصل الواحد الذي تنتمى إليه
العربية والحبشية سيظن أول الأمر أن الحبشية أخذت من العربية عن طريق
التأثير والتأثر والاستلاف الذي يحدث عادة بين لغات العالم . لكن الحقيقة
على غير ذلك فهذا القرب والتشابه سببه وحدة الأصل التي تجمع بين اللغتين .


أن العلاقة بين العربية والحبشية لا تقف في حدود الاشتراك في
الألفاظ والكلمات وإنما تتعدى ذلك إلى التركيب النحوي للكلام وطريقة تصريف
الأفعال والتطابق في الضمائر المنفصلة والمتصلة وطريقة اتصالها بالأفعال
والأسماء .

وتعرف اللغة الحبشية القديمة باللغة الجعزية أو
الجئزية – قلبت العين همزة في اللغات الحبشية الحديثة – ومن الجعزية تفرعت
التقرنيا والتقرى والأمهرا وبقية اللهجات الحبشية . والجعزية بمثابة اللغة
الكلاسيكية للحبشة شأنها شأن اللغة العربية المكتوبة . وقد كتب بها الكتاب
المقدس الحبشي – مترجما عن اليونانية منذ القرن الخامس الميلادي . ويرى
بعض المؤرخين وفقهاء اللغة أن الجعزية تفرعت عن لغة حمير وسبأ ممالك اليمن
القديم وأن الخط الحبشي مأخوذ من الخط الحميرى . بينما يرى آخرون أن
الحبشة هي أصل الأقوام السامية ومنها تسللوا إلى اليمن ثم شمال جزيرة
العرب وبلاد ما بين الرافدين وبلاد الشام . وقد استعمرت الحبشة اليمن قبيل
الإسلام لمدة خمس وسبعين سنة وكادت أن تحتل الحجاز في عام الفيل . وكان
تدخل الحبشة في اليمن بغرض نصرة نصارى اليمن المعروفين بأصحاب الأخدود
الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم . ولا شك أن حكم الحبشة لليمن طيلة هذه
المدة أدى إلى تسرب العديد من الكلمات الحبشية إلى اللغة العربية . فلا
عجب أن وردت بعض الكلمات ذات الأصل الحبشي في الـقرآن .

كانت
حروف ( أصوات ) الأبجدية الجعزية هي نفس حروف الأبجدية المعروفة في لغة
الكتابة العربية . ثم بمرور الزمن أبدلت بعض الحروف في الجعزية . فقلبت
الغين إلى عين ثم قلبت العين إلى همزة في اللغات الحبشية الحديثة . وأبدلت
الخاء إلى حاء ثم قلبت الحاء في الأمهرية إلى هاء .

الضمائر المنفصلة كانت ولا زالت هي ذات الضمائر المعروفة في العربية المكتوبة مع بعض الاختلاف في بعضها :
أنا ، أنت ، أنت ، نحنا ، انتموا ، انتن ، ايمنتوا وأيتن ( للغائبات ) .

ويتو ( للغائب ) تقابل هو ، في العربية ، يتى ( للغائبة ) تقابل هي ، في
العربية . وعليه يمكن أن يكون السؤال عن الاسم بالأمهرية كالآتي :
- أنت سمك مانو ؟ = أنت اسمك من ؟
- أنا سمى عبده = أنا أسمى عبده

أما الضمائر المتصلة بالأسماء مثل كاف المخاطب المفرد المذكر فهي هي
في
الحبشية . إلا أن كاف المخاطب المفرد تتحول إلى شين في حالة المخاطب
المؤنث . حيث أن صيغة السؤال : سمك مانو ؟ تتحول في المفرد المؤنث إلى :

سميش مانو ؟ Simish mannu ?

وكانت
قبائل ربيعة ومضر العربية تقلب كاف المخاطب المؤنث إلى جيم وشين أيضا مثل
في منج وعليج أو منيش وعليش بدل ( مـنك ) و ( علـيك ) ولا زال أهل الخليج
يفعلون ذلك . وقيل أن بيت الشعر التالي كان قد قاله صاحبه كالآتي :

عيناش عيناها وجيدش جيدها
ولكن عظم الساق منش رقيق

وأيضا يقرأ هذا البيت باللهجة الخليجية كالآتي :

عيناج عيناها وجيدج جيدها
ولكن عظم الساق منج رقيق

كذلك
لا خلاف في تصريف الأفعال بين الحبشية والعربية . فمثلا كلمـة : ( مناقر )
تعنى في الأمهرية ، الكلام . لاحظ علاقة ذلك بالمناقرة السودانية ومنقار
العربية ومنها نقر ، ينقر . وتصريف الفعل من كلمة مناقر الأمهرية يكون
كالآتي :

تناقر : تكلم ، وتناقرى : تكلمي ، وتناقروا ، تكلموا . ويناقر : يتكلم والماضي ناقر بفتح آخره : تكلم وانتهى .

يصحف
بالتقرينا تعنى يكتب . ومصحف تعنى كتاب مطلقا . أما الكتاب فهو الكتاب
المقدس الحبشي . لاحظ أن الوصف الوارد للمصحف الشريف في القرآن هو الكتاب
.

فإذا أردنا أن نصرف الفعل من مصحف الحبشية نقول : يصحف ، تصحف ، تصفحى ، تصفحوا .

كذلك
بلع تعنى في الأمهرا والتقرينا : الأكل وتصريفها يبلع ، تبلع ، تبلعـوا ،
تبلعي . مع ملاحظة وجود بعض الاختلاف عند دخول الضمير المتصل على الفعل في
الأمهرية . فتبلع أو يبلع في صيغة المضارع تصبح في الأمهرية الحديثة تبلا
ليه يعنى قاعد يأكل ، قلبت العين ألفا وأضيفت ( ليه ) للدلالة على الضمير
المخاطب . ولتوضيح هذه الصيغة أكثر نضرب مثال آخر بأحب الكلمات وهي : ( ود
) وتعنى نفس المعنى في العربية أو تحديدا تعنى ( الريد ) السودانيـة .
وكلمة ( فكر ) وتعنى في الأمهرية : حب ، ويكون تصريفهما كالآتـي :

اني افكر هالو : تعنى أنا أحبك في الأمهرية ( للمخاطب المذكر )
اني افكر شالو: تعنى أنا أحبك ( للمخاطب المفرد المؤنث )
ودى شالو : أريدك ( للمؤنث )
ودى هالو : أريدك ( للمذكر )

لاحظ أن كاف الخطاب العربية تحولت هنا في الأمهرية إلى ( ها ) في حالة المذكر وإلى ( شا ) في حالة المخاطب المؤنث .

أما
( لو ) فهي للدلالة على المضارعة أو استمرارية الفعل . والواو الأخيرة بدل
الضمة التي تدل علي المضارع المجرد في العربية . ومن ذلك أيضا أن جملة -
أنا أمشي إلى الدكان تقابلها في الأمهرية : سوق أهيدالو . سوق تعنى دكان .
والفعل المجرد من ذهب أو مشى أو سار هو : ( هيد ) ومر بنا أول هذا الكلام
أن الخاء أبدلت في الحبشية الحديثة إلى حاء والحاء قلبت أخيرا هاء .
وبالتالي يمكن القول بناء على ذلك أن جذر كلمة ( هيد ) بمعنى ذهب الأمهرية
هو في الأصل الجعزى ( خيد ) أو ( حيد ) وأن خيد في الأصل ( خاض ) للابدال
الذي يحدث بين الدال والضاد والياء من حروف العلة التي تنوب عن بعضها
عـادة . وأن ( حيد ) أصلها حاد ، من حاد يحيد ومنها حود يحود السودانية .
والله أعلم .

ومن حيث الاشتراك في الألفاظ الدالة على الأسماء فنجد أن أغلب اجزاء الجسم مشتركة بين العربية والحبشية ومن ذلك مثلا :

رأس – عين – إذن – سن – إيد
لب : تعنى قلب في كل من الأمهرية والتقرينا ولب كلمة معروفة في العربية وتعني قلب الشئ .
قمبر : تعنى جبهة والقمبر أو القمبور معروف في العربية .
إقر : رجل وفي الجعزية رجر قلبت اللام العربية إلى راء .
قرورو: حنجرة لاحظ علاقتها بالقرقرة .
إنقد : رقبة وأصلها عنق أبدلت الهمزة عينا وزيدت الدال .
أفنجا : أنف .

ومن حيث أسماء الأقارب :

أم : بالفتح ( في التقرينا )
أبت : أب ( الأمهرا ) لاحظ في العربية أبتى .
أهت : في الأمهرا تعنى أخت أبدلت الخاء حاء ثم أبدلت الحاء هاء .
ست : بنت ، فتاة ( أمهرا )
ود : ولد ، صبي ، فتى ( تقرينا )

وهنالك اشتراك في أسماء الموجودات الأقدم والحيوية :
ماء : ماى في ( التقرينا ) . بحر ، بحر ، يم : يم في الجعزية .
سماء : سماى ، أرض : مدر ، والمدر في العربية الطين .
ليل : ليلت ، سنة : عمت أو أمت وهى عام في العربية .
اسبوع : سمون ( أمهرا ) وسمنت ( تقراى )


جذر الكلمة هو السين والباء التي قلبت ميما كما يحدث أحيانا في العربيـة (
مكة وبكة ) ولفظ أسبوع مشتق من العدد سبعة الذي له نفس النطق في الحبشية
كما سيتضح لنا بعد قليل .

ونختم هذا المدخل بالحديث عن الأعداد في الحبشية والعربية .

الأعداد من واحد إلى عشرة في الحبشية القديمة - الجعزية هي كالآتي :


1- أحدو ( للمذكر ) وأحدتى ( للمؤنث )
2- كلي : بإمالة الياء ، وتقابل كلا في العربية .
3- سلاس ( للمذكر ) وسلاستو ( للمؤنث )
4- أربع ، أربعتو
5- خمس ، خمستو
6- سيسو ، سيد ستو
7- سبو ، سبعتو
8- ثمانى ، ثمنتو
9- تسو ، تسعتو
10- عشرو ، عشرتو

( أنظر فقه اللغات السامية – بروكلمان )

أما الأعداد من واحد إلى عشرة في الأمهرية الحديثة فهي كالآتي :
اند – هولت – سوست – آرات – آمست – سيدست – سبست – ثمنت – زاتنــج – أسر .

وفي التقرينا كالآتي :

حادى – كلتيه – ثلثتى – أربعتى – حمستى – شد شتى – شوعرتى – شومانتى – تجعتى – عسرتى .

العشرات من عشرين إلى مائة في كل من الأمهرية والتقرينا كالآتي :

عشرون : ( هيا ) بالأمهرية ، و ( عشرى ) بالكسر على وزن بشرى في التقرينـا .

ثلاثون : ثلاثة ، أربعون : أربعة
خمسون : خمسة ، ستون : سوسة
سبعون : سبعة ، ثمانون : ثمانية
تسعون : تسعة
ميه : ميتن ( تقراى ) و ( موتو ) بالأمهرية .

ثلاثة وثلاثون : ثلاثن ثلثتن .
اربعة وأربعون : أربعن أربعتن . وهكذا .

هذه
مجرد أمثلة قصدنا منها أن تكون مدخلا فقط . والغريق إلى قدام كما يقولون ،
نتمنى أن نخوض غماره في مقبل الأيام القادمات ان شاء الله .




المراجع والمصادر

1- مقابلات شخصية مع بعض الأخوة الأثيوبيين من الأمهرا والتقراى ، وإختيار الأمثلة وتحليلاتها من عندنا .

2-
فقه اللغات السامية – تأليف المستشرق الألماني كارل بروكلمان – ترجمة
د.رمضان عبد التواب استاذ العلوم اللغوية بكلية الآداب بجامعة عين شمس –
1977م – مطبعة جامعة الرياض .

3- الحضارات السامية القديمة – سبتينو موسكاتي – ترجمة الدكتور السيد يعقوب بكر – دار الرقى – بيروت – 1986م .

4- العرب قبل الاسلام – جرجى زيدان – مكتبة الحياة – بيروت .

5- الفلسفة اللغوية وتاريخ اللغة العربية – جرجى زيدان – دار الحداثه – بيروت – 1987م ( طبع الجزء الأول من الكتاب لأول مرة 1886م )

6- المزهر في علوم اللغة – جلال الدين السيوطى – الجزء الأول

إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة

إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة » كتاب الملاحم » باب النهي عن تهييج الترك والحبشة


باب


النهي عن تهييج الترك والحبشة

عن أبي سكينة (رجل من المحررين) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: سنن النسائي الْجِهَادِ (3176) ، سنن أبي داود الْمَلَاحِمِ (4302). دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم .

رواه: أبو داود، والنسائي .

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: سنن أبي داود الملاحم (4309) ، مسند أحمد (5/371). اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة .

رواه: أبو داود، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".


وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف؛ قال: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سنن أبي داود الملاحم (4309) ، مسند أحمد (5/371). اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة . رواه: الإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح؛ غير موسى بن جبير، وهو ثقة.

وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التحميل جاري.... اتركوا الترك ما تركوكم .

[ ج- 1][ص-382] رواه الطبراني . قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات".

وعن عمر رضي الله عنه: أنه قال: لا يوجد تخريج لهذا المتناتركوا هذه الفطح الوجوه ما تركوكم، فوالله لوددت أن بيننا وبينهم بحرًا لا يطاق .

رواه ابن أبي شيبة .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التحميل جاري.... اتركوا الترك ما تركوكم؛ فإن أول من يسلب أمتي ملكهم وما خولهم الله بنو قنطوراء .

رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي : "وفيه عثمان بن يحيى القرقساني، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وقد وقع مصداق هذا الحديث والأحاديث المذكورة في الباب قبله.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وقد كان مشهورا في زمن الصحابة رضي الله عنهم حديث: التحميل جاري.... اتركوا الترك ما تركوكم ، فروى الطبراني من حديث معاوية رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله.

وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية، وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودا، إلى أن فتح ذلك شيئا بعد شيء، وكثر السبي منهم، وتنافس الملوك فيهم؛ لما فيهم من الشدة والبأس، حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم، ثم غلب الأتراك على الملك، فقتلوا ابنه المتوكل، ثم أولاده واحدا بعد واحد، إلى أن خالط المملكة الديلم، ثم كان ملوك السامانية من الترك أيضا، فملكوا بلاد العجم، ثم غلب على تلك الممالك آل سبكتكين، ثم آل سلجوق، وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم، ثم كان بقايا أتباعهم بالشام، وهم آل زنكي، وأتباع هؤلاء، وهم بيت أيوب، واستكثر هؤلاء أيضا من الترك، فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية والشامية والحجازية، وخرج على آل سلجوق في [ ج- 1][ص-383] المائة الخامسة الغز، فخربوا البلاد، وفتكوا في العباد، ثم جاءت الطامة الكبرى بالتتر، فكان خروج جنكز خان بعد الستمائة، فأسعرت بهم الدنيا نارا، خصوصا المشرق بأسره، حتى لم يبق بلد منه إلا دخله شرهم، ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المستعصم آخر خلفائهم على أيديهم في سنة ست وخمسين وستمائة ، ثم لم تزل بقاياهم يخربون، على أن كان آخرهم اللنك، ومعناه: الأعرج، واسمه تمر؛ بفتح المثناة وضم الميم وربما أشبعت، فطرق الديار الشامية، وعاث فيها، وحرق دمشق حتى صارت خاوية على عروشها، ودخل الروم والهند وما بين ذلك، وطالت مدته، إلى أن أخذه الله، وتفرق بنوه البلاد.

وظهر بجميع ما أوردته مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: لا يوجد تخريج لهذا المتنإن بني قنطوراء أول من يسلب أمتي ملكهم ، وهو حديث أخرجه الطبراني من حديث معاوية، وكأنه يريد بقوله: "أمتي": أمة النسب لا أمة الدعوة؛ يعني: العرب. والله أعلم ". انتهى.

الحبشة والأحباش في التاريخ العربي الإسلامي الحلقة الثالثة بقلم د/ جلال الدين محمد صالح

الحبشة والأحباش في التاريخ العربي الإسلامي الحلقة الثالثة بقلم د/ جلال الدين محمد صالح
الحلقة الثالثة


أما إذا كان المقصود بأن هذه الرقعة الجغرافية المعروفة الآن بجمهورية السودان هي التي حملت اسم الحبشة فيما مضى من الزمان

وعليها نشأت حضارة الحبشة، ومنها بسط الأحباش ملكهم وسلطانهم إلى من حولها، وفيها قابل الصحابة ملك الحبشة النجاشي، فذلك أمر فيه نظر، وغير مسلم، لما في ذلك من مجافاة الحقيقة التاريخية، التي أجمع عليها المؤرخون، من أن الحبشة اسم لتلك القبائل السامية، التي عبرت البحر الأحمر، من الجزيرة العربية، وبنت حضارة أكسوم التاريخية، وبالإجماع أن تجراي هي أرض أكسوم، وليس شمال السودان، أو شرقه، أو غربه، أو جنوبه.

يقول المؤرخ البريطاني أ. بول في كتابه: (تاريخ قبائل البجا بشرق السودان ص 32): عبر السبئيون الذين كانوا يشكلون القوة الغالبة في جنوب الجزيرة العربية البحر الأحمر بحثا عن التجارة، واحتلوا جزيرة دهلك الساحلية، ومن ثم توغلوا إلى الداخل ليستقروا في أرض تقرنيا، [ يعني تجراي] الواقعة الآن فيما يعرف بإرتريا وإثيوبيا، كان ذلك بزمن سحيق من مجيئ المسيح، قد يكون ذلك في عام 1000 قبل الميلاد، أو عام 600 قبل الميلاد.".

ودهلك حاليا هي إحدى الجزر الإرترية في البحر الأحمر، يقول فيها ياقوت الحموي في معجم البلدان/ج2/492: "دهلك... اسم أعجمي معرب... وهي جزيرة في بحر اليمن، وهو مرسى بين بلاد اليمن والحبشة، بلدة ضيقة حرجة، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها.

وقال أبو المقدام:

ولو أصبحت خلف الثريا لزرتها بنفسي ولو كانت بدهلك دورها.

وقال أبو الفتح نصر الله، بن عبد الله الإسكندري:

وأقبح بدهلك من بلدة فكل امرئ حلها هالك

كفاك دليلا على أنها جحيم وخازنها مالك.

وبقليل من التأمل في قول الحموي عن دهلك إنها: (مرسى بين بلاد اليمن والحبشة) ندرك أن الحبشة هي هذه الديار المجاورة لجزيرة دهلك الإرترية، والمعروفة اليوم بـ(إثيوبيا)، كما أن اليمن هو هذا اليمن المجاور لها أيضا، وهذا ما نشاهده بأم أعيينا، وتواطأ عليه جغرافيو العرب قاطبة، قديما وحديثا، من غير شذوذ ولا نكير.

وكتب ابن الجوزي كتابا سماه ( تنوير الغبش في فضل السودان والحبش) والعطف غالبا ما يقتضي المغايرة، بمعنى ان المعطوف يغاير المعطوف عليه، ولو أن السودان هم الحبش، والحبش هم السودان، لما كان لهذا العطف معنى ومدلول.

كما أن الحيمي الذي زار الحبشة في القرن السابع عشر الميلادي مبعوثا من إمام اليمن المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم (1645 ـ 1675 م ) إلى (فاسيلداس)، ملك الحبشة، عبر البحر الأحمر من مينآء مخة اليمني إلى ميناء بيلول الإرتري حاليا، قاصدا العاصمة (قندر) حيث يوجد الملك المذكور، دون رحلته هذه في مذكرة سماها (سيرة الحبشة)، ولم يسمها مثلا سيرة السودان.

ويقول بول أيضا نقلا عن بعض المؤرخين: " طرد الأحباش من سواحلهم العابقة بالبخور بالجزيرة العربية، وحرموا من أنشطتهم التجارية في قواردفوي، وبدأوا يبحثون لنفسهم موطنا جديدا في مرتفعات التقري [ يعني التجراي] حيث أسسوا سلطتهم في المدينة التي سميت فيما بعد بأكسوم." انظر ص 34

ويحدد الفترة التاريخية التي نشأت فيها مملكة أكسوم بقوله: ولكن الذي لا شك فيه أن مملكت أكسوم قامت حوالي عام 60 قبل الميلاد..." ص35.

ويسمي النجاشي الذي استقبل الصحابة المهاجرين إليه، فيقول هو: " (أرمها) الذي أعطى الحماية لأصحاب محمد، الذين هاجروا من مكة، واجتمعوا به في الفترة ما بين 610 ـ 629 م".

ويقول عنه في موضع آخر : " عدد ملوك أكسوم المعروفين لدينا قليل، منهم "أرمها" الذي استقبل وأعطى الحماية لأوائل المسلمين المهاجرين إليه..." /36

ويصفه بأنه " آخر ملوك أكسوم، الذين ذكرهم التاريخ... بعد ذلك ضعف نفوذ أكسوم وتلاشى مجدها، بسبب الهجمات العربية عام 640 م، والتي تسببت في القضاء على مينائها في أدوليس..."/41

أما المصادر العربية فتسميه أصحمة، حيث أورد ابن كثير في البداية والنهاية ج3 ص83 ذلك الخطاب الذي أرسله إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع عمرو بن الضمري، فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وكتب معه كتابا: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك فإني أحمد إليك الملك القدوس، المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته القاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخته كما خلق آدم بيده ونفخته، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني، فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤوك فاقرهم ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى.

وقد أجابه النجاشي معلنا إسلامه بقوله: وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقرينا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله، صادقا مصدقا، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين... المصدر نفسه/ 84

وتبعه على الإسلام نفر من قومه الأحباش، والراجح أنهم كتموا إسلامهم، كما كتم هو إسلامه، من هؤلاء جاريته ( أبْـرِهِـتْ) همزة مفتوحة، فباء ساكنة، وراء مكسورة، يليها هاء مكسور، بعده تاء ساكنة، وتكتبها المصادر العربية بتاء مربوطة، وهذا خطأ، لأنها علم على أنثى وكتابتها بالتاء المربوطة يجعل منها علما على مذكر، وثمة فرق بين ( أبرهة) أو ( أبرها) و(أبرهت)، ومعنى كل منهما بالعربية (أضاء)، و(أضاءت) مأخوذ في الأصل من البرهان، يقول الحبشي إذا ما طالبك بتوضيح الكلام: (أبْـرَهَـلَّـيْ) أي وضح لي.

ويسمي مسلمو الحبشة النجاشي بـ(أحمد النجاشي) وليس لهم من سند تاريخي يستندون إليه في تسميته بأحمد، وإنما هي حكايات يتناقلونها، وله قبر يزار في تجراي، ويشدون إليه الرحال، ولكن ليس من دليل يثبت أنه قبره الحقيقي، وكثير من القبور المنسوبة إلى الأنبياء، والأولياء، والأصفياء، في بلاد الإسلام، تقوم على مجرد دعاوى.

وإن كلمة ( النجاشي) لفظة (حبشية)، وهي لقب لمن ملك الحبشة، كقيصر لمن ملك الروم، وكسرى لمن ملك الفرس، وخاقان لمن ملك الترك، وفرعون لمن ملك مصر / ابن كثير: البداية والنهاية ج3/78.

وما زال الأحباش يلقبون الملك إلى يومنا هذا بـ( نجوس)، وكان آخر نجاشيهم الإمبراطور هيلي سلاسي يحمل لقب (نجوس نجستي) أي ملك الملوك، كما يسمون كل حاكم يحكم (نجاسي)، وفي أمثالهم يقولون: (زبرقت طحاينا، وزنجسى نجوسنا) كل شمس تشرق فهي شمسنا، وكل ملك يحكم فهو ملكنا، في إشارة منهم إلى قابلية التأقلم مع كل نظام سياسي.

ويرفض الدكتور عبد العزيز عبد الغني استاذ التاريخ بجامعة أفريقيا العالمية الخرطوم، في كتابه (أهل بلال) فكرة أن السودان هو الحبشة، ويعتبر القول بهذا وليد خلط في المعلومات التاريخية، عند بعض المؤرخين فيقول: ولعل ذلك الخلط في أذهان العرب بين الحبشة والسودان هو الذي ساق بعض المفكرين في العصر الحديث لاعتبار لقمان من أنبياء السودان، وبلال من مواطنيه، وجنح البعض منهم إلى القول بأن النجاشي كان من ملوك السودان./5

من أي ميناء خرج الصحابة في هجرتهم إلى الحبشة؟ ومن أي ميناء دخلوا الحبشة؟ من سواكن أم مصوع؟ وما هي الأحداث السياسية التي استهدفت حكم النجاشي خلال وجودهم؟ وكيف تعاملوا معها؟ هذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة فتابع معنا؟

3/3/2006

هجرة الصحابة إلى الحبشة

لما رأى الرسول صلى الله عليه و سلم ما يصيب أصحابه، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم : (لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم مخرجًا مما أنتم فيه). فخرج عند ذلك المسلمون متسللين سرًا(85).‏

إن اختيار الحبشة عن سواها، إنما كان لميزات تمتاز بها، وتتطلبها حساسية المرحلة، لعل من أبرزها وجود الملك العادل، الذي لا يظلم عنده أحد.. وهذا العدل، ظهرت أهميته عندما عملت قريش على إرجاع المهاجرين، فقد وجدت أنها لا تستطيع ذلك دون أن يتحرى الملك في أمر هؤلاء، قبل أن يصدر حكمًا بإخراجهم من أرضه، وهذا مما يقتضيه العدل، الذي جعل الملك يسمع حجة الخصم قبل إصدار الحكم، فلو كان الملك ظالمًا جائرًا، لظفرت قريش بما تريد.‏

ومن ميزات الحبشة، أنها أرض صدق وأرض دين سماوي، فهم أقرب إلى المسلمين من سواهم، فالرسالات السماوية منبعها واحد، وأصولها واحدة، وقد يسهل إقناع هؤلاء بالحق بخلاف أهل الشرك، وهذا ما تم فعلاً، فعندما تلا جعفر رضي الله عنه آيات من الذكر الحكيم على مسامع النجاشي وقساوسته، فاضت أعينهم من الدمع تأثرًا بما سمعوا من القرآن الكريم(86) : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا من الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين * فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين) (المائدة : 83-85).‏

وثمة نقطة استراتيجية هامة، تمثلت في معرفة الرسول صلى الله عليه و سلم بما حوله من الدول والممالك، فكان يعلم طيبها من خبيثها، وعادلها من ظالمها، الأمر الذي ساعد على اختيار دار آمنة لهجرة أصحابه، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال قائد الدعوة، الذي لابد أن يكون ملمًا بما يجري حوله، مطلعًا على أحوال وأوضاع الأمم، والحكومات من حوله، حتى إذا اتخذ قرارًا، يكون القرار مبنيًا على علم سابق مدروس، فتكون غالبًا نتائجه طيبة، بخلاف ما لو بناه على جهل وعدم معرفة.‏

أما جانب الحماية الكامن في كيفية الخروج، فيتمثل في كونه تم تسللاً وخفية، حتى لا تفطن له قريش فتحبطه، كما أنه تم على نطاق ضيق لم يزد على ستة عشر فردًا(87)، فهذا العدد لا يلفت النظر في حالة تسللهم فردًا أو فردين، وفي ذات الوقت يساعد على السير بسرعة، وهذا ما يتطلبه الموقف، فالركب يتوقع المطاردة والملاحقة في أي لحظة.‏

ولعل السرية المضروبة على هذه الهجرة، فوتت على قريش العلم بها في حينها، فلم تعلم بها إلا مؤخرًا، فقامت في إثرهم لتلحق بهم، لكنها أخفقت في ذلك، فعندما وصلت البحر لم تجد أحدًا(88).. وهذا مما يؤكد أن الحذر هو مما يجب أن يلتزمه المؤمن في تحركاته الدعوية، فلا تكون التحركات كلها مكشوفة ومعلومة للعدو بحيث يترتب عليها الإضرار به وبالدعوة.‏

ـ قيادة قريش تعمل على إعادة المهاجرين من الحبشة : ‏

عز على قريش أن يجد المهاجرون مأمنًا لأنفسهم ودينهم، وأغرتهم كراهيتهم للإسلام أن يبعثوا إلى النجاشي وفدًا منهم محملاً بالهدايا والتحف، كي يحرم المسلمين وده، ويطوي عنهم بشره، وتخيروا لهذه المهمة عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، وقيل عمارة بن الوليد(89).. ولكي نقف على مجريات هذه المحاولة، نورد هنا حديث أم سلمة رضي الله عنها عن رسولي قريش إلى النجاشي : ‏

عن أم سلمة بنت أبي أمية قالت : (لما نزلنا أرض الحبشة، جَاوَرْنا بها خيرَ جارٍ، النجاشي، أَمِنَّا على ديننا، وعبدْنا الله تعالى، لا نُؤْذَى ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا، ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جَلَدَيْن، وأن يُهدوا إلى النجاشي هدايا مما يُستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأَدَم(90)، فجمعوا له أَدَمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بَطَارِقَتِه بِطْرِيقًا إلا أَهْدَوْا له هدية، وقالوا لهما : ادفعا إلى كل بِطْرِيقٍ هديته قبل أن تُكلما النجاشي فيهم، ثم قَدِّما إلى النجاشي هداياه، ثم سَلاَهُ أن يُسلمهم إليكما قبل أن يُكلمهم. قالت : فخرجا حتى قدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار عند خير جار، فلم يَبْقَ من بطارقته بِطْرِيق إلا دفعا إليه هديته، قبل أن يكلما النجاشي، وقالا لكل بطريق منهم : إنه قد ضَوَى -لجأ- إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مُبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بَعَثَنَا إلى الملك فيهم أشرافُ قومهم ليردوهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يُسْلِمَهم إلينا ولا يكلّمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينًا(91)، وأعلمُ بما عابوا عليهم.. فقالوا لهما : نعم. ثم إنهما قَدَّما هداياهما إلى النجاشي، فقبلها منهما، ثم كلماه فقالا له : أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بَعَثَنَا إليك فيهم أشرافُ قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه... قالت : ولم يكن شيء أبغضَ إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامَهم النجاشي. قالت : فقالت بطارقته حوله : صَدَقَا أيها الملك. قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى بلادهم وقومهم. قالت : فغضب النجاشي، ثم قال : لاها الله، إذن لا أُسلمهم إليهمــا، ولا يُكاد قومٌ جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على مَن سواي، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني) (92).‏

ثم أرسل إلى الصحابة، وقبل أن يحضروا اتفقوا على أن يقولوا الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه و سلم، وكان ممثلهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فأجاب على أسئلة النجاشي وبين له الحقيقة، فرد النجاشي وفد قريش دون أن يسلمهم المهاجرين.‏

ـ تعقيب على الموقف : ‏

وبالنظر إلى هذا الموقف، نستخلص أمرين هامين، هما دهاء قيادة قريش، وتفوق المهاجرين عليها.. والنص السابق يظهر بوضوح الدهاء والإحكام المتقن، في الخطة التي رسمتها قريش، للعودة بالمهاجرين، ويظهر ذلك من خلال الملاحظات التالية : ‏

ــ نلاحظ ابتداءً الدقة في اختيار ممثلي الوفد، فعمرو بن العاص يعد داهية من دهاة العرب، يمتاز بالذكاء، وحسن التصرف، ولا يقل عنه في ذلك عبد الله بن أبي ربيعة، فهما من أهل الرأي والمشورة في قريش(93)، فمثل هذه المهمة، تحتاج إلى نوعية معينة من الرجال، يمتازون بالذكاء، والحكمة، والدهاء، وحسن التصرف، حتى يكونوا أهلاً للقيام بها.‏

ــ ولعل من أميز ما يمكن ملاحظته في هذه المهمة، الاتفاق المسبق على كيفية التخاطب، وكيف يتم الحوار، فهم اختاروا أحب الهدايا للنجاشي، ثم قدموا هدايا لجميع البطارقة، وطلبوا منهم أن يشيروا على النجاشي بتسليم المهاجرين، وكان هذا الاتفاق قبل مقابلة النجاشي، مع الإصرار على عدم الكلام والتحدث مع المهاجرين.‏

فتخير الهدايا التي يحبها النجاشي، محاولة لكسب جانبه، وبالتالي فقد يرضخ لطلبهم، كما أن إعطاء الهدايا للبطارقة قبل النجاشي، فيه أيضًا محاولة لكسب حاشية الملك، التي غالبًا ما تشاركه اتخاذ القرار، وبالتالي قد تزين له ذلك القرار، وتحمله على الموافقة علىه، وخاصة أن رسولي قريش قد طلبا من القساوسة أن ينصحوا الملك بتسليم المهاجرين لهما.‏

كما أن تخير الوفد للألفاظ التي وُصف بها المهاجرون، بكونهم غلمان سفهاء قد فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دين الملك، إنما كان لإثارة الغضب والسخط على المهاجرين من قِبَل الملك وبطارقته، بحيث يصبحون مهيئين تمامًا لقبول طلب التسليم، دون أن يكلم الملك المهاجرين، وهذا ما تصبو إليه قريش.‏

وكان إصرار الوفد على عدم مقابلة النجاشي للمسلمين ليكلمهم، لعلمهم بأن الادعاء الذي قدموه، والوصف الذي وصفوهم به، لا يقوم على أساس من الصحة، فإذا كلمهم الملك اتضح له افتراء وفد قريش، مما قد يترتب عليه فشل الوفد في مهمته، وهذا ما حدث فعلاً عندما تكلَّم النجاشي إلى المهاجرين.‏

ـ تفوق المهاجرين على مكائد قريش : ‏

وقع الاختيار على جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ليمثل المهاجرين أمام الملك، فكان اختيارًا موفقًا، وظهر ذلك في فصاحته ولباقته، ومن خلال الحس الأمني العالي الذي امتاز به سيدنا جعفر، أثناء مخاطبته للنجاشي.‏

فأول ما فعله جعفر، أن عدد للنجاشي عيوب الجاهلية، وعرضها بصورة تنفِّر منها السامع، وقصد بذلك تشويه صورة قريش في عين الملك، وفي ذات الوقت إبراز محاسن الإسلام، التي هي نقيض لأفعال الجاهلية، إضافة إلى ذلك، فقد نفى التهمة التي لفقتها عليهم قريش، وقد نجح أيما نجاح، بدليل أن النجاشي طلب منه أن يقرأ عليه شيئًا من القرآن، فاختار سورة مريم، الأمر الذي أثَّر على النجاشي وبطارقته.. واختيار جعفر لسورة مريم، يظهر بوضوح حكمة وذكاء مندوب المهاجرين، فسورة مريم تتحدث عن مريم وعيسى عليهما السلام ، فأثرت في النجاشي وبطارقته، حتى بكوا جميعًا. وبعد ذلك أصدر قراره في صالح المسلمين بعدم تسليمهم أبدًا.‏

ومع ذلك لم تيأس قريش من محاولة التأثير على موقف النجاشي، فلجأ وفدهم إلى محاولة أخيرة لا تخلو من دهاء أيضًا، فقد زعم عمرو أن المهاجرين يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيمًا، وهذه بالطبع مكيدة عظيمة، تؤكد ما قلناه عن ذكاء ودهاء عمرو بن العاص، ولقد كان لهذه المكيدة أثرها البالغ على المهاجرين، حتى قال قائلهم : (لم ينزل بنا مثلها قط).. وقد جعلت النجاشي يستدعيهم مرة أخرى، ولكن ذكاء وثبات المسلمين على الحق رد هذا السهم إلى نحور رماته، إذ كانت الإجابة واضحة، كما جاء بها الإسلام، هو عبد الله ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فهذا الرد جعل النجاشي يضرب يده بالأرض، ويأخذ عودًا، ثم يقول : (والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلتَ هذا العود!)، وقال لهم : (اذهبوا فأنتم شيوم -أي آمنون- بأرضي) (94).

بلاد الحبشة في نص عربي مجهول

بلاد الحبشة في نص عربي مجهول

يوميات الرحالة السوري صادق باشا العظم الذي أوفده السلطان عبد الحميد إلى النجاشي منليك الثاني

عمان: «الشرق الأوسط»
الأبيض في نظر أهالي الحبشة طبيب وجراح ومقتدر على كل شيء، ومع ذلك كله فإنهم يكرهون لونه وإذا غضبوا عليه يسبونه قائلين: «تاج اولاج»، أي المملوك الأبيض. وبالجملة أن لون الأبيض مكروه جدا خصوصا عند أهالي أواسط أفريقيا لعدم ألفة أبصارهم هذا اللون. فيظن البعض منهم أن الإنسان الأبيض إنما ابيض لانه ولد في غير أوانه أي قبل أن ينضج في بطن أمه، والبعض منهم يذهب إلى أن البياض ليس هو إلا نتيجة مرض أصابه فغيّر لونه الأسود الطبيعي. هذه فقرة من كتاب «رحلة الحبشة من الاستانة إلى اديس أبابا» الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ودار السويدي للنشر والتوزيع في أبو ظبي كأول كتاب في سلسلة تهدف إلى تقديم كلاسيكيات أدب الرحلة إلى جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب ورحالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودونوا يومياتهم وانطباعاتهم خلال القرنين الماضيين.
يقول محمد احمد خليفة السويدي في استهلاله: «هذا الكتاب باكورة سلسلة قد تبلغ المائة كتاب من شأنها أن تؤسس وللمرة الأولى لمكتبة عربية مستقلة مؤلفة من نصوص ثرية تكشف عن همة العربي في ارتياد الآفاق. وإذا كان أدب الرحلة الغربي قد تمكن من تنميط الشرق والشرقيين عبر رسم صورة دنيا لهم بواسطة مخيّلة جائعة إلى السحري والعجائبي، فإن أدب الرحلة العربي إلى الغرب والعالم ركز على تتبع ملامح النهضة العلمية والصناعية ومحاولة الكشف عن طبيعة الوعي بالآخر الذي يتشكل عن طريق الرحلات». ورحلة الحبشة، موضوع هذا الكاتب، قام بها صادق باشا مؤيد العظم في ربيع سنة 1896 موفدا من قبل السلطان عبد الحميد ومعه رسالة إلى النجاشي منليك الثاني إمبراطور الحبشة، وقد كان العظم قائدا عسكريا في الجيش العثماني (فريق أول)، وهو سوري ينتمي إلى اعرق البيوت الدمشقية. ومع أن الكاتب دون وقائع رحلته يوما بيوم، وبالتالي فهي تشبه في ترتيبها المذكرات اليومية، إلا أن القارئ لا يملك إلا أن يعجب بما يتميز به الكاتب من رهافة في وصف المشاهد وذكاء في قراءة الظواهر وبساطة في اللغة وطلاوة في العبارة وطرافة في التعليق. إن تعليقات المؤلف تكشف، كما يقول المشرف على هذه السلسلة نوري الجراح، عن نفس ذات نزعة إنسانية لا يتناهى إليها تعصب لجنس أو دين أو ثقافة (بالرغم من انه عسكري ورحلته كانت دبلوماسية بالدرجة الأولى)، فالمرأة تتخذ لها في سطوره حضورا شاعريا، والازهار الغريبة تبلغ عينه باندهاش وهو يتصرف كعاشق مولع بالنبات والأرض والناس ولم يهمل خلال وقوفه على الأمكنة طيلة ثلاثة اشهر تفصيلا يستلفت انتباهه مهما كان، من هنا فإن وصفه يمكن أن يشكل وثيقة بالغة الأهمية لما كانت عليه الحبشة خلال نهاية القرن التاسع عشر.

وإذا كان من المتعذر نقل الكثير من المشاهدات التي دونها المؤلف فإن استعراضا لبعضها قد يعطي صورة عن أسلوب هذا الرحالة العربي كما في وصفه لجمال النساء الحبشيات ودقة أنوفهن وبساطة مسلكهن وتقشفهن وسمرتهن الأخاذة. لكنه يبدي دهشته وأسفه لأحوال النساء في تلك البلاد وللحيف الواقع عليهن من جانب الرجل وثقافة المجتمع المفرط في ذكوريته، بالرغم من أنه يثني على همة المرأة الحبشية ونشاطها وكفاحها اليومي الصامت قياسا بنساء القسطنطينية الخاملات.

أعمدة الملح بدلا من الرواتب عن المشاهدات الغريبة في ذلك الزمن يتحدث العظم، مثلا، عن طريقة تناول الطعام وتقديمه فيقول: «يضعون أمامهم طعامهم وجلّه من الفلفل الأحمر ويجلسون القرفصاء حول هذه المائدة ويضعون عليهم العباءة أو الرداء الكبير المسمى (شحما) حتى لا يراهم أحد ويأكلون بكل سكون وهدوء من غير أن يسمع لهم صوت مستترين تحت هذا الغطاء ولو لم أرهم بعيني يستعدون للطعام لما كنت علمت انهم يتناولون طعامهم وكيف يتسنى لي ان اعلم ذلك وليس أمامي سوى غطاء كبير تحته أشباح تتحرك كأنهم حواة يقومون ببعض الألعاب الغريبة ولما سألت عن سبب ذلك قيل لي إن الأحباش يأكلون طعامهم تحت ستار حتى لا تراهم عين فتصيبهم مصيبة من جراء ذلك، وكنت أرى الخادم عندما يقدم لي شيئا مثل القهوة أو الماء أو الطعام يخفيها تحت ذيله حتى لا يراها أحد كأنه مال مسروق وعندما أتناولها ينشر رداءه أمامي منعا لرؤية الغير».

وثمة حديث طريف عن طريقة دفع الرواتب للموظفين في تلك الأيام يقول فيه: «ان المرؤوسين في الحبشة يتحاشون إظهار ثروتهم أمام رؤسائهم ومنهم من يدفنون أموالهم في الأرض وقد يموتون من غير أن يعرف أحد المحل الذي أخفوا فيه ثروتهم. والإمبراطور يعطي لأصاغر المستخدمين من حاشيته أعمدة من الملح.. بدلا من الرواتب فهي تقوم مقام الدراهم في كل بلاد الحبشة وكل خمسة من هذه الأعمدة تساوي ريالا واحدا وهذا الملح الذي يستخرج من بلاد (وللو) التابعة لمقاطعة تيغري تحت احتكار الحكومة وتصرفها».

ويقدم كثيرا من هذا الملح بين الأشياء الأخرى التي يقدمها حاكم تيغري كل سنة إلى النجاشي بدلا عن الاتاوة.

فكرة «شبيه صدام» مأخوذة من الحبشة يتحدث المؤلف عن وظيفة في بلاط إمبراطور الحبشة اسمها «دافع المصائب والبلاء» وهي النسخة الأولية لفكرة شبيه صدام حسين فيقول: «في بلاط النجاشي وظيفة على غاية من الأهمية يطلق عليها اسم «ليقا ما قواس» ويجب على الشخص المرشح لهذه الوظيفة أن يكون مشابها للإمبراطور من حيث البنية والشكل تمام الشبه. ولصاحب هذا المنصب أن يرتدي مثل ما يرتدي الامبراطور ويعلق أوسمته وبالجملة فإن الشرط الأعظم أن لا يكون فرق بينه وبين الامبراطور. وفي بعض الأحيان يقسم المنصب بين اثنين يشبهان النجاشي. و«ليقا ما قوس» هذا يقف دائما وقت الحروب والأسفار قرب الامبراطور وتحت شمسيته ولا يقدر أحد حتى ولا الجنود أن يميزوا الامبراطور الحقيقي من الامبراطور الوهمي فيتمكن الامبراطور بذلك وقت الحروب أن يترك شبيهه تحت خيمة وشمسيته في مركزه الرسمي ليذهب هو ويتجول أين يشاء دون أن يصيبه أذى أو اقل خطر ويكون في معزل عن قنابل العدو ورصاصة. و«ليقا ماقوس» هذا يكون دائما معرضا للمهالك بدلا من الامبراطور ولذلك سمي بدافع البلاء».

أجناس الحبشة يشير المؤلف الرحالة إلى أن عدد سكان الحبشة في ذلك الوقت بلغ 12 مليون نسمة منهم ثمانية ملايين مسلم واربعة ملايين مسيحي و25 ألف يهودي في جهة سامن. وينقسم الأحباش كما يقول على قسمين: الأول الأحباش الاصليون والثاني الفاللا (ولعله يقصد اليهود الفلاشا)، ويؤكد أن الأحباش لا يعدون من جنس الزنوج بل انهم معدودون من الأجناس السامية، وهم يعتقدون انهم من نسل سيدنا سليمان من زوجته الملكة بلقيس اليمنية، مشيرا إلى أن بعض الأحباش كانوا يقومون بالترجمة للوفد خلال محادثاته مع الصوماليين الذين لا يعرفون التكلم باللغة العربية. وأورد المؤلف في نهاية الكتاب ملحقا عن هجرة المسلمين إلى الحبشة وعن مشاهير الأحباش الذين كان منهم بلال الحبشي مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام والعشرات الذين كان منهم الصحابة والصحابيات وأمهات الصحابة والتابعين.

الحبشة والأحباش في التاريخ العربي الإسلامي بقلم /د.جلال الدين محمد صالح

الحبشة والأحباش في التاريخ العربي الإسلامي بقلم /د.جلال الدين محمد صالح
الحلقة الرابعة


أما فيما يتعلق بميناء الدخول إلى الديار الحبشية فيقول الدكتور عبد العزيز: نستطيع أن نستنتج أن المهاجرين كانوا قد رسوا في الساحل الأفريقي للبحر الأحمر

في الشروم الواقعة على الساحل الإرتري واستقروا على ضفاف أحد الأودية على مخارج الهضبة الإرترية التي تقود إلى أكسوم./أهل بلال/148

كذلك يرى ضرار صالح ضرار أنهم ركبوا السفينة من "ميناء شعيبة السعودي قرب جدة، واتجهت جنوبا نحو مصوع، وفي الطريق توقفت في جزيرة عيري السودانية التي يطلق عليها أيضا اسم جزيرة الريح، وذلك بغرض التزود بالماء والراحة، والتفريغ والتحميل، ثم من هناك أبحرت إلى باضع". هجرة القبائل العربية إلى وادي النيل مصر والسودان/240 ـ 241

في حين ينقل أخوه الأستاذ سليمان صالح ضرار في مخطوطته البجة ص74 من كتاب المؤرخ الأوروبي بضج : (تاريخ إثيوبيا ص 270 ) قوله: في سنة 615 أي قبل الهجرة إلى المدينة بسبع سنوات، ركب البحر من ميناء شعيبة الحجازي بالقرب من جدة أحد عشر رجلا مسلما وأربع نساء مسلمات، ودفع كل منهم نصف دينار، وتوجهوا في سفينتين إلى باضع، أي جزيرة عقيتاي، وكانوا في طريقهم إلى الحبشة التي كان يحكمها ملك عادل.

ثم يعلق على هذا النص بقوله: "هذه الجزيرة هي عاصمة مملكة بني عامر، التي تسمى جارين، واستقبل أفراد قبيلة بني عامر هؤلاء المهاجرين، ورحبوا بهم، وأعطوهم الأمان للنزول في أرض مملكتهم، وبذا تكون هذه القبيلة البجاوية هي أول شعب يعطي الأمان للمسلمين، ولأول مهاجريهم خارج الجزيرة العربية..." ص75.

وما قاله الأخوان سليمان، وضرار هو في النهاية كلام واحد، يصب في مصب واحد، وإن كان ضرار زعم أنهم تزودوا بالماء والراحة في جزيرة (عير) السودانية، من غير أن يقول لنا السند التاريخي الذي استقى منه هذه المعلومة، توثيقا لها.

والمسافة من باضع إلى أكسوم أقرب منها من سواكن إلى أكسوم، وإن كانت سواكن أقرب إلى الحجاز من باضع، ثم أن باضع كانت الميناء التجاري لأهل الحبشة، يأتون إليها ببضائعهم لمقايضتها بما يحتاجون إليه، كما يقول صاحب معجم البلدان ياقوت الحموي، وهذه المكانة التجارية لباضع لدى الحبشة، إضافة إلى قربها لمقر النجاشي، لا بد أن تجعل منها على الأرجح في تقديري ميناء الوصول المفضل إلى النجاشي أكثر من غيرها.

ويعزز نعوم شقير من وجاهة هذه الرؤية وقوتها، في كتابه (تاريخ السودان) ص 40 فيقول عن مصوع، وهو يتحدث عن ميناء أدوليس: ويعرف "الآن بميناء زولا، على عشرين ميلا إلى الجنوب من مصوع، وهي ميناء أكسوم".

وإلى الوجهة نفسها يذهب المؤرخ الأوروبي جويدي حيث يقول: إن( ساحل أدوليس ( زولا) كان يجتذب إليه المهاجرين من جنوبي بلاد العرب، ويسهل التجارة من مكة، وكان هذا الساحل هو الوحيد بين السواحل الأفريقية المطلة على البحر الأحمر الذي يؤمن النزول فيه، ويجاور ـ علاوة على ذلك ـ الهضبة الحبشية.

ووفقا لرأي Budge (بج) فإن عدوليس هي الميناء البحري لمملكة تجراي Tigray في شمال الحبشة، وهي ما عرف أخيرا بـ زولا Zullah الحديثة. انظر: الهجرة إلى الحبشة دراسة مقارنة للمرويات/12 ـ 13

وبعد أن أورد الدكتور محمد بن فارس الجميل في مؤلفه المذكور جملة من الآراء حول مكان نزول الصحابة، ناقش المسألة وخرج بالنتيجة التالية حيث قال:إن الروايات المتقدمة تكاد تميل إلى الرأي القائل: إن عدول، أو عدوليس، أو ما يعرف حديثا بـ(زلا ) الواقعة على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر في إرتريا الحديثة هي المكان الأول الذي وطئته أقدام المهاجرين الأولين، ولكن هذا الرأي لا يزال بحاجة إلى دليل حاسم يؤيده، وفي غياب المعلومات الدقيقة تبقى الآراء ظنية، وغير قاطعة الدلالة، وإذا ثبت أن عدوليس كانت هي المرفأ الذي هبط فيه المهاجرون في الجانب الآخر من البحر فمن الجائز القول بأن رحلتهم البحرية تلك كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، إذا أخذنا في الحسبان طول المسافة الفاصلة بين الشعيبة نقطة الانطلاق وعدولى، أو عدوليس، مكان النزول، حيث يبلغ قرابة ( 675 كيلا) إذا رسمنا خطا مستقيما بين الموضعين.

أما سواكن المرفأ البحري المعروف في السودان فهو أقرب من عدوليس إلى جدة أو الشعيبة في الجهة الخرى من البحر الأحمر، أي في الحجاز، وقد حاول عبد الله الطيب جاهدا إثبات أن سواكن هي المرفأ الذي نزل فيه المهاجرون إلى الحبشة، وهو مكان قريب من الحجاز نسبيا، إذ تبلغ المسافة بخط مستقيم بين الشعيبة وسواكن ( 325 كيلا) تقريبا.

ومع وجاهة هذه الفرضية فإنها لا تزال بحاجة إلى دليل ملموس لإثبات صحتها، خصوصا أن مصادر السيرة لم تذكر مكانا بعينه، أو مدينة بعينها في بلاد الحبشة، نزلها المهاجرون. انظر: الهجرة إلى الحبشة دراسة مقارنة للروايات 13 ـ 14

وهذا في نظري استنتاج معقول ومنطقي إذ لا يقدم لنا كل طرف من الوثائق التاريخية ما يسند رأيه، ويثبت ادعاءه، أو يحسم المسألة لصالح وجهته، لكن أيا كان الميناء الذي نزل فيه الصحابة، سواكن، أم باضع، فإن الهجرة كانت إلى الحبشة، حيث مملكة أكسوم، ولم تكن إلى السودان، دون استبعاد أن يكون السودان الحالي، أوجزءا منه، بعضا من أرض الحبشة التاريخية.

وشهد الصحابة بعد وصولهم أرض الحبشة حدوث تمرد على هذا النجاشي، فخافوا من أن يفقدوا حق اللجوء السياسي، بمجيئ حاكم ظالم، لا يعرفه لهم حقهم، فانتابهم القلق، وتابعوا المحاولة الإنقلابية ـ إن صح التعبير ـ التي جرت عليه، بإرسال واحد منهم إلى ساحة معركتها، وهو الزبير بن العوام الذي عبر النيل سباحة إلى الجهة التي شهدت ملتقى الفريقين،

بقربة منفوخة جعلها في صدره، ثم عاد وهو يحمل نبأ إخفاق المحاولة الانقلابية، وتغلب النجاشي على خصمه، مما أعاد الإطمئنان إلى نفوسهم. ابن هشام السيرة النبوية/ج1/ص351

وقد نمى إلى علمي أن هذه المعركة الإنقلابية من شواهد القائلين بأن السودان هو دار هجرة الصحابة، وإن كنت لا أستطيع الآن بيان وجه دلالتها على ما ذهبوا إليه، غير أنه يبدو لي ـ وهذا مجرد افتراض ـ أن حدوثها على جانب النيل، هو الذي حملهم على هذا القول.

لكن ما الذي يمنع من أن تكون هذه المعركة وقعت في الحبشة ذاتها، حيث بحيرة (تانا) بجوار بلدة (بحر دار)، ومعلوم أن النيل الأزرق المعروف في إثيوبيا (بأباي الكبير) يبدأ من هذه البحيرة، وإذا افترضنا جدلا أن المعركة حدثت في السودان الحالي، وأن الزبير بن العوام عبر النيل إلى الجانب الذي وقعت فيه المعركة، من أرض السودان، فمن أين كان هذا العبور، إن لم يكن من مقر النجاشي، حيث مركز الدولة وعاصمتها؟ ثم ما المانع من أن يكون حدث هذا التمرد في هذا الجانب، من أرض المملكة، وأن النجاشي سير الجيش من مقر حكمه أكسوم [إقليم التجراي ] للقضاء عليه، وأن الصحابة لاهتمامهم بالأمر، صحبوا هذا الجيش، وأوفدوا معه من يتابع لهم أمر المعركة، وكان هذا الصاحب، والمتابع الزبير بن العوام رضي الله عنه؟.

أين تقع (دباروا)؟ وما علاقتها بالنجاشي مستقبل الصحابة؟ وهل ثمة توالد وتزاوج بين الأحباش والعرب؟ وما هي الأنماط الحضارية التي جلبها المهاجرون الصحابة من بلاد الحبشة؟ وهل كانت الحبشة معروفة لدى قريش قبل الإسلام وكيف؟ وهل للأحباش وجود حضاري بين ظهراني العرب وفي بلدانهم؟ وكيف كافأ النبي صلى الله عليه وسلم الأحباش وتعامل معهم؟ ذلك ما سنتطرق إليه في الحلقة القادمة فتابع معنا مشكورا.

وكتبه/ الدكتور جلال الدين محمد صالح

لندن - 11/5/2005

الخميس، 1 يوليو 2010

من علماء أثيوبيا

الشيخ الدكتور :محمد امان بن علي جامي علي





هو محمد امان بن علي جامي علي يكنى بأبي احمد

موطنه:

أثيوبيا منطقة هرر قرية طغا طاب
سنة ولادته:

ولد كما هو مدون في اوراقه الرسميه سنة 1349 هـ
طلبه للعلم في الحبشه
نشأ الشيخ في قرية طغا طاب وفيها تعلم القرأن الكريم وبعدما ختمه شرع في دراسة كتب الفقه على مذهب الامام الشافعي رحمه الله ودرس العربيه في قريته ايضا على الشيخ محمد امين الهرري ثم ترك قريته على عادة اهل تلك الناحيه الى قرية اخرى وفيها التقى مع زميل طلبه
الشيخ عبدالكريم فأنعقدت بينهما الاخوه الاسلاميه ثم ذهبا معا الى شيخ يسمى الشيخ موسى ودرسا عليه نظم الزبد لأبن رسلان ثم درسا متن المنهاج على الشيخ ابادر وتعلما في هذه القريه عدة فنون ثم اشتاقا الى السفر الى البلاد المقدسه مكة المكرمه للتعلم واداء فريضة الحج فخرجا من الحبشة الى الصومال فركبا البحر متوجهين الى عدن حيث واجهتهما مصاعب ومخاطر في البر والبحر ثم سارا الى الحديده سيرا على الاقدام فصاما شهر رمضان فيها ثم غادرا الى السعوديه فمرا بصامطه وابي عريش حتى حصلا على اذن الدخول الى مكة وكان هذا سيرا على الاقدام
وفي اليمن حذرهما بعض الشيوخ فيها من الدعوه السلفيه التي يطلقون عليها الوهابيه

طلبه للعلم في السعوديه
بعد اداء الشيخ لفريضة الحج عام 1369 هـ بدأ رحمه الله طلبه للعلم بالمسجد الحرام في حلقات العلم المبثوثه في رحابه واستفاد من فضيلة الشيخ عبدالرزاق حمزه رحمه الله وفضيلة الشيخ عبدالحق الهاشمي رحمه الله وفضيلة الشيخ محمد عبدالله الصومالي وغيرهم وفي مكة تعرف على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وصحبه في سفره الى الرياض
لما افتتح المعهد العلمي وكان ذلك في اوائل السبعينات الهجريه
وممن زامله في دراسته الثانويه بالمعهد العلمي فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد وفضيلة الشيخ علي بن مهنا القاضي بالمحكمه الشرعيه الكبرى بالمدينه سابقا كما انه لازم حلق العلم المنتشره بالرياض فقد استفاد وتأثر بسماحة المفتي العلامه الفقيه الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ رحمه
الله كما انه كان ملازما لفضيلة الشيخ عبدالرحمن الافريقي رحمه الله كما لازم سماحة الشيخ عبدالعزيزبن باز رحمه الله فنهل من علمه الجم وخلقه الكريم كما اخذ العلم بالرياض على فضيلة الشيخ محمد الامين الشنقيطي رحمه الله وفضيلة الشيخ العلامه المحدث حماد الانصاري رحمه الله وتأثر بالشيخ عبدالرزاق عفيفي كثيرا حتى في اسلوب تدريسه كما استفاد وتأثر
بفضيلة الشيخ العلامه عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله حيث كانت بينهما مراسلات كما تعلم على فضيلة الشيخ العلامه محمد خليل هراس رحمه الله وكان متأثرا به ايضا كما استفاد من فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله
مؤهلاته العلميه
حصل على الثانويه من المعهد العلمي بالرياض
ثم انتسب بكلية الشريعه وحصل على شهادتها سنة 1380 هـ ثم معادلة الماجستير في الشريعه من جامعة البنجاب ثم الدكتوراه من دار العلوم بالقاهره

مكانته العلميه وثناء العلماء عليه
كان للشيخ رحمه الله مكانته العلميه عند اهل العلم والفضل فقد ذكروه بالجميل وكان محل ثقتهم بل بلغت الثقه بعلمه وعقيدته انه عندما كان طالبا في الرياض ورأى شيخه سماحة الشيخ عبدالعزيزبن باز رحمه الله نجابته وحرصه على العلم فقدمه لسماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله
ح

المزيد


أضف الى مفضلتك